ความประเสริฐของการร้องไห้เนื่องจากความกลัวและความถวิลหาอัลลอฮฺ (ซ.บ.)

อาลี เสือสมิง
อาลี เสือสมิง
ความประเสริฐของการร้องไห้เนื่องจากความกลัวและความถวิลหาอัลลอฮฺ (ซ.บ.)
/

ตำรา ที่ใช้ : ดะลีลุ้ลฟาลิฮีน (อธิบาย ริยาฎุซซอลิฮีน)

สถานที่ : โรงเรียนญะมาลุ้ลอัซฮัร, อิสลามรักสงบ ซ.พัฒนาการ 30

:: เนื้อหา ::

ـــ باب فضل البكاء من خشية الله تعالى
الخشية: الخوف المقرون بإجلال، وذلك للعلماء با كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عبادة العلماء} (فاطر:28) أماتنا الله على محبتهم (وشوقاً إليه) معطوف على محل المجرور بمن، إذ هو مفعول له، وقد صرح النحاة بأن المفعول له عند اجتماع شروط نصبه لا يجب النصب بل يجوز جره حينئذٍ وما هنا كذلك، ويجوز العطف بالنصب على محل ذلك، قال الله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} (النحل:8) قزينة معطوف على محل لتركبوها على أحد الأقوال في إعراب الآية، وأشار المصنف بالترجمة إلى أن الداعي للبكاء إما أن يكون خشية لما علم العارف من عظم جلال مولاه، وإما شوقاً لما كشف له مما تقصر العبارة عن بيان أدناه، فضلاً عن أقصاه.

(4/214)

(قال الله تعالى) مبيناً حال من اطلع على الكتب الساقة وعرف حقيقة المصطفى وما أنزل عليه في تلك الكتب ({ويخرّون للأذقان يبكون}) أي لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله تعالى، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرورية (ويزيدهم) أي سماع القرآن (خشوعاً) كما يزيدهم علماً ويقيناً با تعالى.
(وقال تعالى): ({أفمن هذا الحديث}) يعني القرآن ({تعجبون}) إنكاراً ({وتضحكون}) استهزاء ({ولا تبكون}) تحزناً على كشف ما فرطتم.

(4/215)

1446 ــــ (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : اقرأ على القرآن فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك؟) بتقدير همزة الاستفهام قبله: أي أأقرأ عليك (وعليك) أي لا على غيرك (أنزل) الجملة حالية من ضمير المخاطب، والرابط الواو، فهم ابن مسعود أنه أمر بالقراءة ليتلذذ بقراءته، لا ليختبر ضبطه فلذا سأل متعجباً وإلا فلا مقام للتعجب (قال: إني أحبّ أن أسمعه من غيري) لكونه أبلغ من التفهيم والتدبير لأن القلب حينئذٍ يخلص لتعلق المعاني والقارىء مشغول بضبط الألفاظ وأدائها حقها ولأنه اعتاد سماعه من جبريل والعادة محبوبة بالطبع، ولهذا كان عرض القرآن على الغير سنة. قالوا: ومن فوائد هذا الحديث التنبيه على أن الفاضل لا يأنف من الأخذ عن المفضول. قال ابن النحوي: وقراءته عليه يحتمل أن يراد بها علم الناس بحاله أو يخشى أن يغلبه البكاء عنها (فقرأت عليه سورة النساء) فيه رد على من قال ينبغي أن يقال السورة التي يذكرفيها كذا (حتى جئت) أي وصلت (إلى هذه الآية) وعطف عليها عطف بيان قوله ({فكيف}) أي فكيف حال الكفار ({إذا جئنا من كل أمة بشهيد}) يشهد عليها بعملها وهو نبيها (وجئنا بك على هؤلاء) أي الأشخاص المعينين من الكفرة ({شهيداً}) وزعم المغني أن كل نبيّ شهيد على أمته، وكذا تفعل بك وبأمتك يا محمد، رده الطيبي بقوله تعالى: {ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} (الحج:78) فالشهادة لهم لا عليهم وقال ابن النحوي: وهؤلاء هم سائر أمته يشهد عليهم أو لهم، فعلى بمعنى اللام، وقيل أراد به أمته الكفار، وقيل اليهود والنصارى، وقيل كفار قريش، وفيما يشهد به البلاغ أو بالإيمان أو بالأعمال أقوال اهـ. (قال حسبك) أي يكفيك ذلك (الآن فالتفت إليه) أي لأنظر الداعي إلى الأمر بالكف، عن القراءة بعد الأمر بها (فإذا عيناه تذرفان) بذال معجمة ساكنة وكسر الراء: أي تسيل دموعهما. قال ابن النحوي في شرح البخاري: يقال ذرف الدمع وذرفت

(4/216)

العين دمعها. قال في «تفسير السمرقندي» من حديث محمد بن فضالة عن أبيه: إنه عليه الصلاة والسلام أتاهم في بني ظفر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه، فأمر قارئاً يقرأ حتى أتى على هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} (انساء:41) بكى حتى اخضلت لحيته وقال: يا ربّ هذا على من أنا بين أظهرهم فكيف بمن لم أرهم؟ وللثعلبي: فدمعت عيناً رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: حسبناالله. وفي «تفسير ابن الجوزي» {شهيداً عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} (المائدة:117) قال ابن النحوي: وبكاؤه عند هذه الآية لأنه لا بد من أداء الشهادة، والحكم على المشهود عليه إنا يكون بقول الشاهد، فلما كان هو الشاهد وهو السامع بكى على المفرطين منهم. وقيل بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر، إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب. وقيل بكى فرحاً بقبول شهادة أمته وتزكيته لهم ذلك اليوم اهـ.

(4/217)

وقال بعض شراح «الشمائل»: بكاؤه عليهم لفرط رأفته ومزيد شفقته حيث عزّ عليه عنتهم، ويؤخذ من قوله «حسبك الآن» جواز أمر الغير بقطع القراءة للمصلحة. قال الحراني: إنما قال للقارىء «حسبك الآن» حفيظة عل حسن ترديه بالصبر في هيئته، فإن كان ينكف عن السماع الذي يغلب تأثيره في ظاهر الهيئة فكانت سنته العلمية أن يتردى رداء السكون ويصون ظاهر أعضائه عن الخروج عن الإحساس في الهيئة كما كان لا تبدو عليه في أقواله وأعماله عند ما ترهقه الإرهاقات حركة، فكان لا يزول عن ظاهر رداء الصبر ولا يخرج عن حسن السمت وهيئة السكون. وقد كان عيسى عليه السلام إذا ذكر الساعة يخور كما تخور البقرة فكان أثر السماع يظهر في كثير من الأنبياء والأولياء، وكان المصطفى ساكناً فيه حتى يفيض سكونه على جلسائه، وكان قليلاً ما يخرج حاضروه عن هيئة السكون كما قال العرباض «خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطبة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب الحديث، فقلما كان يغلب عليهم السماع لما يصل إليهم من بركة ترديه برداء الصبر ولزوم حسن السمت، فأنبأنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن انفعال النفس لما تسمع الأذن لا بد منه، لكن ينبغي الستر والتثبت وعدم إظهار الحركة الصرخة فكان على من على سنته في الوجد التثبت وحسن السمت والصبر على جميع مواجيده التي لا يجدها سواه، وكان يدعو حاضريه لذلك فعلمنا التأسي به (متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير، ومسلم في كتاب فضائل القرآن وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير.
(فائدة): قال ابن النحوي في شرح البخاري: روى عبد بن حميد في تفسيره أن عبد الله بن مسعود لما قرأ هذه الآية قال : «من سرّ أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأ على قراءة ابن أم عبد» اهـ.

(4/218)

2447 ــــ (وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطبة) بضم الخاء المعجمة في الوعظ وهي فعلة بمعنى مفعول نحو نسخة بمعنى منسوح، وجمعها خطب (ما سمعت مثلها قط) من كمال البلاغة ومزيد التذكير والتنبيه على ما يحتاج إليه (فقال: لو تعلمون ما أعلم) أي من إجلال الله سبحانه وعظمته (لضحكتم قليلاً) لما تشهدون من مظهر الرحمة المنبثة من فضله في الأكون، ففيه إيماء إلى أن الكمال عدم غلبة الخوف بحيث يؤدي إلى الانقطاع عن الرجاء (ولبكيتم كثيراً) والاسمان منصوبان على المفعولية المطلقة، ويحتمل نصبهما على الظرفية الزمانية أي في قليل وكثير من الزمان (قال: فغطى أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجوههم لهم خنين) جملة حالية من فاعل غطى والرابط الضمير (متفق عليه وسبق بيانه) مع شرحه (في باب الخوف).

(4/219)

3448 ــــ (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : لا يلج النار رجل بكى من خشية ا) من فيه تعليلية: أي لخشية الله الداعية إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي، ومن كان كذلك لا يلجها بالوعد الكريم إلا تحلة القسم. وقال العاقولي: لعل المراد به العارف به تعالى وهو العالم العامل لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر:28) وبالجملة فلا بد من نوع معرفة ليتصور الخشوع والبكاء لأن البكاء ممن لا يعرفه بوجه ممتنع انتهى. وأشار إلى سبب البكاء، وما ذكرته أولى لأن الموصوف بما ذكرته القائم به من أهل الجنة ابتداء بالوعد الكريم، وظاهر الخبر إن لم يحمل على ذلك معارض لما جاء في الأخبار من دخول قوم من عصاة المؤمنين النار. وقوله (حتى يعود اللبن في الضرع) أي يدخل من مسامه إليه أي وذلك محال عادة فتعلق ولوج الخائف الوجل من الله تعالى العارف بجلاله القائم بما تقتضيه الخشية من امتثال الأوامر واجتناب النواهي بعود اللبن إلى الضرع، والمراد بالولوج الدخول فيها فلا ينافى وجوب المرور عليها المفسر به الورود، أما من لم يقم بقضية الخشية مما ذكر ومات على غير الشرك من المعاصي فأمره إلى مولاه إن شاء أدخله الجنة مع الفائزين وعفا عنه ما جناه، وإن شاء حبسه بالنار قدر ما سبق في علمه ثم أدخله الجنة لإيمانه بمحض فضله وما ذكرت من أن المراد عود اللبن إلى الضرع من مسامها ليكون محالاً عادياً وإلا فقد صرح الفقهاء بأن اللبن إذا تنجس أمن تطهيره بأن تسقاه نحو الشاة ثم يخرج من ضرعها طاهراً، وكذا إذا تنجس العسل يسقاه النحل ثم يمجه طاهراً (ولا يجتمع غبار في سبيل ا) المراد جهاد أعداء الدين لوجه الله تعالى (ودخان جهنم) ظاهره أن الجهاد في سبيل الله مقتض لسلامة المجاهد من العذاب بالوعد الذي لا يخلف فيحمل على ما إذا مات فيه أو بعده ولم يقترف موبقاً يصده عن ذلك (رواه الترمذي) في كتاب الجهاد (وقال: حديث حسن صحيح).

(4/220)

4449 ــــ (وعنه قال: قال رسول الله : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ا) هي ما تعبد به بشرط معرفة المتقرب إليه فالطاعة توجد بدونهما في النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى إذ معرفته ربما تحصل بتمام النظر، والقربة توجد بدون العبادة في القرب التي لا تحتاج إلى نية كالعتق والوقف (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب) بكسر الصاد (فقال) أي بقلبه لنفسه لينزجر عن العصيان، ويحتمل أن يكون بلسانه لينزجر طالبه منه ولا مانع أن يأتي بهما نظير ما قاله الفقهاء فيما يسن للصائم إذا خوصم من قوله: إني صائم (إني أخافالله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) خشية من الله تعالى (متفق عليه) وقد تقدم مع شرحه في باب فضل الحب فيالله.

(4/221)

5450 ــــ (وعن عبد الله بن الشخير) بشين وخاء معجمتين مكسورتين، والخاء مشددة وآخره راء، الصحابي هو عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب بن وفدان بن الجرش وهو معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكعبي الجرشي البصري والد مطرف بن يزيد روي له عن النبيّ نحو ستة أحاديث، قال ابن الجوزي في «مختصر التلقيح» ذكره البرقاني وقال له نحو ستة أحاديث اهـ. انفرد مسلم بالرواية عنه عن البخاري، فروى له حديثين، وأورد له المزي في «الأطراف» تسعة أحاديث، وقد ذكرته في رجال «الشمائل» بأبسط من هذا (رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي ولجوفه) أي صدره وداخله وجوف كل شيء داخله، والجوف: البطن وما انطبقت عليه الكتفان والأضلاع (أزيز) بفتح الألف وكسر الزاي الأولى: صوت البكاء أو غليانه في الجوف، وفيه أن الصوت الغير المشتمل على الحروف لا يضر في الصلاة (كأزيز المرجل) بكسر فسكون ففتح: مذكر، والدور كلها مؤنثة إلا المرجل، وهو قدر من نحاس أو حجر أو يختص بالنحاس، أو كل قدر، ورجحه الحافظ ابن حجر. قال الزمخشري: سمى بذلك لأنه إذا نصب أقيم على رجل (من البكاء) أي من أجله، وذلك ناشىء عن عظيم الرهبة والخوف والإجلال سبحانه، وذلك مما ورثه من أبيه إبراهيم عليه السلام، فقد ورد أنه كان يسمع من صدره صوت كغليان القدر من مسيرة ميل اهـ. وفيه دليل على كمال خوفه وخشيته وخضوعه لربه. قال الحراني: ومن هذا الحديث ونحوه استنّ أهل الطريق الوجد والتواجد في أحوالهم وعرفوا به في أوقاتهم، وهذا الحال إنما كان يعرض للمصطفى عند تجلي الصفات الجلالية والجمالية معاً: يعني الجلال الممزوج بالجمال، وإلا فغير الممزوج بالجمال لا يطيقه أحد من البشر بل ولا واحد من الخلائق، وكان إذا تجلى لقلبه الجمال الحض يمتلىء نوراً وسروراً وملاطفة وإيناساً وتبسطاً، وكل وارث من أمته له نصيب من هذين التجليين، فتجلى الجلال يورث الخوف والقلق

(4/222)

والوجل المزعج، وتجلي الجمال يورث الأنس والسرور (حديث صحيح) فيه دليل على جواز تصحيح الحديث وتحسينه وتضعيفه لمن تمكن منه وفيه أهلية ذلك، خلافاً لابن الصلاح في منع ذلك وقد تقدم ذلك (رواه أبو داود) في كتاب الصلاة من سننه (والترمذي في «الشمائل») في باب البكاء (بإسناد صحيح) والنسائي في الصلاة بنحوه.

6451 ــــ (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية (ابن كعب) بسكون العين المهملة آخره موحدة وهو الأنصاري سيد القراء تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب بيان كثرة طرق الخير (إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا}) أي السورة بكمالها (قال) أي أبي للنبي (وسماني لك) الواو عاطفة على مقدر أي أمرك بذلك وسماني، وسببه احتمال أن يكون الله تعالى أمر النبي أن يقرأ على رجل من أمته ولم ينص على خصوص أبى فأراد تحقق ذلك، فيؤخذ منه الاستثبات، ويوضح ذلك لفظ البخاري «هل نص عليّ باسمي أو قال اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنت» (قال نعم) أي سماك لي. وعند الطبراني عن أبيّ بن كعب «قال نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى» (فبكى) إما فرحاً وسروراً بذلك أو خشوعاً وخوفاً من التقصير في شكر تلك النعمة أو استحقاراً لنفسه وخشية وتعجباً وهذا شأن الصالحين إذا فرحوا بشيء خلطوه بالخشية، وقيل الفرح والسرور دمعته باردة ولذلك يقال أقر الله عينه، قاله ابن النحوي. قال أبو عبيد المراد بالعرض على أبيّ ليعلّم منه القراءة. قلت: ويؤيده أن عدن أحمد بن حنبل من حديث عليّ بن زيد عن عمار بن أبي دحية البدري «لما نزلت لم يكن قال جبريل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله يأمرك أن تقرئها أُبياً فقال له رسول الله : إن الله أمرني أن أقرئك هذه السورة فبكى وقال يا رسولالله، وقد ذكرت ثمة؟ قال نعم»، ويستثبت فيها لكيون عرض القرآن سنة.

(4/223)

وللتنبيه على فضيلة أبيّ وتقدمه في حفظ القرآن وليس المراد أن يتذكر منه شيئاً بذلك العرض، وحكمة تخصيص هذه السورة لو جازتها وجمعها لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته، والإخلاص وتطهير القلوب، وكان الوقت يقتضي الاختصار، قاله المصنف والقرطبي في شرحيهما على مسلم. ويؤخذ من الحديث مشروعية التواضع في أخذ الإنسان العلم من أهله وإن كان دونه (متفق عليه) أخرجه البخاري في فضائل أبي وفي التفسير ومسلم في كتاب فضائل القرآن من كتاب الصلاة من صحيحه.
(وفي رواية) أي لمسلم في الكتاب المذكور من صحيحه (فجعل أبى يبكي) وهذه أبلغ من الأولى للإتيان بالجملة المضارعية الدالة على التجدد والحدوث.

(4/224)

7452 ــــ (وعنه) أي أنس (قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد) ظرف لقال (وفاة رسول الله) أي وانتظام أمر الخلافة (انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها) جملة مستأنفة لبيان المقصود بالانطلاق إليها، وقوله (كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزورها) فيه إيما إلى الاقتداء به في كل أفعاله مما لم يقم الدليل على تخصيصه به (فلما انتهينا إليها بكت) لتذكرها برؤيتهما النبيّ لملازمتهما له وعدم مفارقتهما إياه في الغالب، ونظيره بكاء الصحابة لما سمعوا أذان بلال بالشام مرة بأمر عمر رضي الله عنهما حين قدومهما تذكراً لأيام المصطفى (فقالا لها: ما يبكيك) بضم التحتية (أما تعلمين أن ما عند ا) مما تقصر العبارة عن تعريف أدناه فضلاً عن أعلاه (خير لرسول الله) يحتمل أن يكون خير بغير ألف مصدراً، ويحتمل أن يكون أفعل تفضيل، فيدل على أنه كان له في الدنيا خير وهو كذلك لما يشرعه من الأحكام ويهدي من الأنام ويوصل المنقطعين إلى حضرة المولى ويقرب المبعدين إلى الفيض الأعلى، وعليه فحذف معمول أفعل: أي مما في الدنيا للتعميم وإيماء إلى أن ما عند الله لا يليق أن تقابل به الدنيا لفنائها وانقطاعها (قالت: إني لا أبكي أنى لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله) بتقدير لام التعليل قبل أن: أي لا أبكي لعدم علم ذلك وأعادت الجملة بلفظها مع إغناء اسم الإشارة عنها استعذاباً للذكر المحبوب، فمن أحبّ شيئاً أكثر ذكره (ولكن) استدراك مما يفهمه كلامها السابق مع ما قبله الموهم انحصار سب البكاء في عدم العلم بذلك: أي لسي البكاء لذلك ولكن (أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء) تقدم في باب المحبة في الله عن المواهب وغيرها أن المخصوص بالنبيّ الوحي بالشريعة، أما مطلق الوحي فيكون لغيرا الأنبياء فيحمل قولها على ذلك (فهيجتهما) أي حملتهما (على البكاء فجعلا يبكيان معها) ففيه البكاء على فقد الأخيار، وأن ذلك لا يعارض لتسليم الأقدار (رواه مسلم، وقد سبق) مع

(4/225)

شرحه (في باب زيارة أهل الخير).