ความประเสริฐของความมักน้อยในโลกดุนยา และความประเสริฐของความจน (ตอนที่ 6)

อาลี เสือสมิง
อาลี เสือสมิง
ความประเสริฐของความมักน้อยในโลกดุนยา และความประเสริฐของความจน (ตอนที่ 6)
/

ตำรา ที่ใช้ : ดะลีลุ้ลฟาลิฮีน (อธิบาย ริยาฎุซซอลิฮีน)

สถานที่ : โรงเรียนญะมาลุ้ลอัซฮัร, อิสลามรักสงบ ซ.พัฒนาการ 30

:: เนื้อหา ::

15470 ــــ (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنكبيّ) بتشديد التحتية إحداهما ياء التثنية ويروى بتخفيف الياء على الإفراد، والمنكب بوزن مسجد مجتمع رأس العضد والكتف لأنه يعتمد عليه كذا في المصباح، وأخذه بمنكبيه ليقبل بقلبه على ما يلقيه إلي ويستيقظ إن كان في غفلة لذلك عما هو فيه مع ما فيه من التأنيس والتنبيه والتذكير، إذ محال عادة أن ينسى من فعل معه هذا ما يقال له، وهذا لا يفعل غالباً إلا مع من يميل إليه الفاعل دليل على محبته ، ونظير هذا قول ابن مسعود: علمني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكفي بين كفيه (فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) زاد الترمذي «وعد نفسك من أهل القبور» ورواه أحمد والنسائي أوله «اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا» الخ (وكان ابن عمر) راوي الخبر (يقول) أي عقب روايه له كما يؤذن به سياق المصنف وهو كالرديف لما قبله، قال الأعمش راويه عن مجاهد عن ابن عمر وقال: قال لي ابن عمر، وفي لفظ آخر عنه قال مجاهد ثم قال لي ابن عمر وكذا جاء في رواية غير الأعمش (إذا أمسيت) أي دخلت في المساء وهو لغة من الزوال إلى نصف الليل (فلا تنتظر) أي بأعمال المساء (الصباح وإذا أصبحت) أي دخلت في الصباح فالفعلان تامان، والصباح من نصف الليل إلى الزوال كما ذكره السيوطي (فلا تنتظر) أي بأعمال النهار (المساء) وذلك أن لكل منهما عملاً يخصه فإذا أخر عنه فات ولم يستدرك كماله وإن شرع قضاؤه فطلبت المبادرة بعمل كل وقت في وقته، أو المراد إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالبقاء إلى الصباح وكذا عكسه بل انتظر الموت كل وقت واجعله نصب عينيك، وعقب به المصنف ما قبله لأن الحديث للحض على ترك الدنيا والزهد فيها كما سيأتي بيانه في الأصل، وهذا للحض على تقصير الأمل فذاك متوقف على هذا لأنه المصلح للعمل والمنجي من آفات التراخي والكسل، فإن من أطال أمله ساء عمله، فعلم أن هذا سبب للزهد في

(4/267)

 

الدنيا، وقولهم إنه هو مرادهم أن بينهما تلازماً صيرهما كالشيء الواحد فهو مجازي وإلا فالحقيقة ما قلنا، فمن قصر أمله زهد ومن طال أمله رغب وترك الطاعة وتكاسل عن التوبة وقسا قلبه لنسيان الآخرة ومقدماتها من الموت وما بعده من الأهوال (وخذ من صحتك) أي أعمالاً صالحة تستعين في تحصيلها بها مبتدأه منها منتهية أو مدخرة (لمرضك) أي لمدته التي تشتغل عنها في المرض أي فلا تغفل عنها في زمن تمكنت فيه منها، وهو زمن الصحة لئلا تغبن في صفقتك (و) خذ (من حياتك لموتك) يحتمل أن يكون أعم مما قبله بأن يراد الإكثار منها ولو في زمن المرض المتمكن فيه منها فيكون فيه ترق وزيادة في التحريض على اغتنام الطاعة وعدم التواني فيها مع إمكانها ولو شقت وصعبت على النفوس لمرض أو غيره، ويحتمل أن يكون بمعنى ما قبله أي من زمن صحتك مدة حياتك فيكون تأكيداً لما قبله واهتماماً به وزيادة تحريض عليه، وبالجملة فرأس مال المؤمن صحته وحياته وأيام حياته زمن تجارته فلا ينبغي له أن يفرط فيها مع التمكن منها ليحصل له من ربح التجارة ونفعها ما يدوم نفعه عليه عند حاجته إليه لنحو مرض، وفي الحديث «إذا مرض العبد أو سافر بقول الله لملائكته اكتبوا ما كان يعمله صحيحاً مقيماً» وهذا فيه توسل لدوام فضل المولى سبحانه بحسن العمل، وفي الحديث «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وقلت في هذا المعنى:

أيها السالك المريد تنبه
من منامك وغفلة قبل فوتك
خذ لسقم من الشباب وبادر
ومن الوقت قبل فوت لموتك

(4/268)

 

(رواه البخاري) في الرقاق من صحيحه، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول»، وابن حبان في «صحيحه»، وقد صرح الأعمش فيه بتحديث مجاهد له في الصحيح بخلاف رواية ابن حبان، ولذا قال: مكثت مدة أتوهم أن الأعمش سمع هذا الحديث من ليث ودلسه حتى رأيت ابن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بقول الأعمش سمعت مجاهداً. ذكره السخاوي في «تخريج الأربعين» حديثاً التي جمعها المصنف، ثم نقل أنه أنكر الاتصال وقال: إنما رواه الأعمش بالعنعنة، وكذا رواه عنه أصحابه، وكذا أصحاب الطفاوي عنه، وتفرد ابن المديني بالتصريح قال: ولم يسمعه الأعمش عن مجاهد وإنما سمعه من ليث عنه فدلسه: يعني فرجع الحديث إلى ليث وسكت عن رده، وكأنه لوضوحه بأن الصحيح ما في الصحيح فلا عبرة بما يخالفه (قالوا) أي شراح الحديث المدلول عليهم بالسياق (معناه) أي معنى الحديث من حيث الجملة (لا تركن) بفتح الكاف وبضمها لأنه جاء من بابي علم ونصر كما في «مفردات الراغب»، زاد في «الصحاح» أن الذي حكاه من باب علم. أبو زيد قال: وما حكى أبو عمرو: ركن يركن، بالفتح فيهما فإنما هو على الجمع بين اللغتين اهـ: أي لا تمل وتسكن (إلى الدنيا) وتطمئن بها (ولا تتخذها وطناً) يحتمل أن يكون من عطف الجزء على الكل اهتماماً، وذلك لأن السكون إليها والطمأنينة بها إنما يكون مع توطنها، ويحتمل أن يكون من عطف المغاير، فالأولى للنهي عن النظر لزهراتها على وجه الإعجاب بها والميل إليها. والثانية للنهي عن استيطانها والإقامة بها، وذلك لأن من توطن مكاناً سعى في عمارته، وعمارتها خلاف شأن الحازم لأنه مفارق لها إلى دار لا يفارقها الأبد، فحقه الاحتفال بتلك لا بهذه، وهذا راجع لقوله «كن في الدنيا كأنك غريب» لأن شأن الغريب عدم الركون لغير وطنه وترك التوطن بسواه. وقوله (ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها) راجع لقوله أو عابر سبيل، لأن شأن من دخل بلداً في أثناء

(4/269)

 

سفره ألا يحدث نفسه بالمقام بها لأنه ينقطع بذلك عن الرفق فتلحقه المشاق، ولا بالاعتناء بتلك البلد لأن المرء لا يعتني بحسب طبعه إلا بما يعود نفعه عليه من وطنه، وقوله (ولا تتعلق منها) ظرف مستقر صفة لمحذوف: أي بشيء منها أو بمعنى متعلق بالفعل: أي تعلقاً مبتدأ منها، فمن للتبعيض أو للابتداء (بما) أي بالذي (لا يتعلق به الغريب في غير وطنه) مما لا تدعو إليه ضرورته من زاد ومركوب، فكذا شأن الحازم ألا يتعلق في سفره إلى مولاه بشيء من الدنيا إلا براحلته التي يتوصل بها إلى مرضات ربه وهي نفسه، فيشتغل بما يتوصل به إلى أن يؤديها حقها ويكفيها عن الغير، وكذا يكتسب ما يقوم به من تجب عليه مؤنتهم وبزاده الذي هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي ويعرض عما عداه (ولا يشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب) أي العود (إلى أهله) فإن شأنه ألا يستكثر من المتاع لأن ذلك يتعبه في مقصده ويثقله عن مطلبه، بخلاف من أضرب عن العود فذلك لا يحتفل بأم السفر، فالحازم لا يتخذ من الدنيا ما يثقله في سفره إلى مولاه، والغافل عن ذلك معرض عن آخرته مقبل على زهرة دنياه، وهذا راجع لمجموع الحديث وذلك لأنه إذا كان المسافر المذكور، وإن كان يقيم بتلك البلاد شأنه الإعراض عما يثقله في سفره، فالعابر بها من غير إقامة أولى بذلك والله أعلم .

(4/270)

 

16471 ــــ (وعن أبي العباس) بتشديد الموحدة وبعد الألف مهملة (سهل بن سعد الساعدي) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب الدلالة على الخير (قال: جاء رجل) لم أقف على تسميته (إلى النبي) أي جاء ساعياً إليه (فقال: يا رسول الله دلني) سؤال من الدلالة أي نبهني (على عمل) التنوين فيه للتعظيم وعظمه إنما هو بحسب ثمرته كما يومىء إليه قوله (إذا عملته) أي مريداً به وجه الله (أحبني ا) بإرادة الثواب (وأحبني الناس) أي مالوا إليّ ميلاً طبيعياً لا يدخل تحت الاختيار، والجملة الشرطية صفة عمل (فقال: ازهد في الدنيا) أي أعرض عما لا تدعو إليه الضرورة مما زاد عنها من المباح احتقاراً له وإرباء بنفسك عنها بغضاً له، فحبّ الدنيا رأس كل خطيئة، والزهد عزوب النفس عن الدنيا مع القدرة عليها لأجل الآخرة خوفاً من النار وطمعاً في الجنة أو ترفعاً عن الالتفات إلى ما سوى الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بعد انشراح الصدر بنور اليقين (يحبك ا) جواب الشرط المقدر لوقوعه جواب الأمر كما هو الرواية، ويجوز من حيث الصناعة أن يكون مستأنفاً، وفيه إيماء إلى شرف الزهد لعظم ثمرته التي هي محبة المولى، ثم المراد من كون حبها مذموماً حبها كذلك إيثاراً لشهوة نفس ونجوها لأنه يشتغل عن الحق سبحانه، أما حبها لفعل الخير وإعانة محتاج وإغاثة ملهوف وإطعام بائس فعبادة بشهادة قوله : «نعم المال الصالح مع الرجل الصالح، يصل به رحماً ويصنع به معروفاً» (وازهد فيما عند الناس) من نحو مال وجاه بإعراضك عنه ورفضك إياه (يحبك الناس) أي بسبب ذلك، ومتى نازعتهم في ذلك بغضوك ونازعوك إياه فإنهم بطباعهم يتهافتون عليه تهافت الذباب على النتن، والكلاب على الجيف، ومن ثم شبه الشافعي رضي الله عنه الدنيا بها، والناس بالكلاب بقوله:
وما هي إلا جيفة مستحيلة
عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها

(4/271)

 

(حديث حسن) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «تخريج الأربعين» التي جمعها المصنف بعد كلام ذكره في إسناد الحديث ما لفظه: فالظاهر أن الحديث الذي أوردناه آنفاً لا يصح ولا يطلق على إسناده أنه حسن اهـ. قال السخاوي: كأنه أشار بهذا الكلام إلى شيخه: أي الحافظ الزين العراقي، فإنه حسنه في «أماليه» وسبقه إليه الشيخ: يعني النووي (رواه ابن ماجه) في سننه (وغيره) قال السخاوي في «تخريج الأربعين» المذكورة: وأخرجه الطبراني في «معجمه الكبير» وابن حبان في «روضة العقلاء» له والحاكم في الرقاق من «مستدركه» وقال: إنه صحيح الإسناد وليس كذلك (بأسانيد حسنة) فرواه ابن ماجه عن أبي عبيدة بن السفر عن شهاب بن عباد، ورواه بن حبان عن محمد بن أحمد بن المسيب عن يوسف بن سعيد بن مسلم، ورواه الحاكم عن أبي بكر محمد بن جعفر الآدمي عن أحمد بن عبيد بن ناصح، ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي عبيد القاسم بن سلام، أربعتهم عن خالد بن عمرو القرشي، وأخرجه الحافظ السخاوي من طريق محمد بن كثير المصيصي قالا وتقاربا في اللفظ: ثنا سفيان الثوري عن أبي حازم المدني عن سهل، وكذا أخرجه العقيلي والبيهقي والقضاعي في مسند الشهاب من طريق البغوي، وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد، وليس كذلك فخالد مجمع على تركه، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري في آخرين، ونسبه أحمد وابن معين وآخرون إلى وضع الحديث، وابن كثير أيضاً ليس عمدة ضعفه أحمد جداً وقال مرة: حدث بمناكير لا أصل لها، وقال مرة: لم يكن عندي بثقة، وضعفه النسائي ولينه البخاري. قال السخاوي بعد نقل كلام الحافظ السابق في منع تحسين الحديث ما لفظه: ويساعد شيخنا قول أبي جعفر العقيلي ليس له من حديث الثوري أصل، ولعل ابن كثير أخذ عن خالد ودلسه لأن المشهور به خالد كذا قال، وخالفه الخطيب فذكر الحديث عن الثوري وقال: أشهر طرقه عن الثوري ابن كثير، لكن وافقه ابن عديّ على أنه منكر من حديث الثوري

(4/272)

 

اهـ. وبه يعلم أن الحديث له عند من ذكر سند واحد وهو الثوري إلى منتهاه لا أسانيد، ولعله باعتبار الطرق الموصلة إليه وأن سند الحديث ليس بحسن لما علمت، والله أعلم .