ความประเสริฐของความมักน้อยในโลกดุนยา และความประเสริฐของความจน (ตอนที่ 10 จบ)

อาลี เสือสมิง
อาลี เสือสมิง
ความประเสริฐของความมักน้อยในโลกดุนยา และความประเสริฐของความจน (ตอนที่ 10 จบ)
/

ตำรา ที่ใช้ : ดะลีลุ้ลฟาลิฮีน (อธิบาย ริยาฎุซซอลิฮีน)

สถานที่ : โรงเรียนญะมาลุ้ลอัซฮัร, อิสลามรักสงบ ซ.พัฒนาการ 30

:: เนื้อหา ::

(4/289)


28483 ــــ (وعن عبد الله بن مغفل) بصيغة اسم المفعول من التغفيل بالغين المعجمة والفاء، قال المصنف في «التهذيب»: هو أبو سعيد، وقيل أبو عبد الرحمن وأبو زياد عبد الله بن مغفل بن عبد غنم، وقيل ابن عبد نهم بن عفيف بن أسحم بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، المزني البصري (رضي الله عنه) ومزينة امرأة عثمان بن عمرو نسبوا إليها، وهي مزينة بنت وهب بن وبرة، فولد عثمان يقال لهم مزنيون، وكان عبد الله من أهل بيعة الرضوان قال: إني لمن رفع أغصان الشجرة عن رسول الله ، سكن المدينة ثم تحول إلى البصرة وابتنى بها داراً قرب الجامع قال الحسن: ما نزل البصرة أشرف منه، وقد تقدمت ترجمته وذكر بعض مناقبه وعدة ماله من الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في باب المحافظة على السنة وقد ذكرت زيادة على ذلك في ترجمته في كتابي في «رجال الشمائل» (قال: قال رجل) قال ابن أقبرس في «شرح الشفاء»: هذا الرجل من المجاهيل. قلت: ويجوز أن يكون أبا سعيد الخدري، ففي «الشفاء» وقد قال لأبي سعيد «إن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي أو الجبل إلى أسفله» ثم أورد حديث ابن مغفل المذكور وقال بعد ذكره إلى قوله تجفافاً، ثم ذكر نحو حديث أبي سعيد بمعناه، ثم رأيت الحافظ السيوطي في تخريج أحاديث «الشفاء» جزم بأن حديث أبي سعيد بعض حديث ابن مغفل فهو يقوي ما فهمناه من تفسير المبهم بأبي سعيد، والله أعلم . (للنبي) اللام فيه للتبليغ (يا رسول الله وا إني لأحبك) لعل ذكر المؤكدات لزيادة تثبيت مضمون الخبر عنده خصوصاً إن قلنا: إنه أبو سعيد أو غيره من خلّص المؤمنين، وإن كان من المنافقين ثم صدق في إيمانه فلإذهاب ما توهم من حاله السابق (فقال: انظر ما تقول) يرد منه الاستكشاف عن حقيقة قوله، ولذا علقه بالشرط الآتي، وفي الاصطفاء انظر ماذا تقول: أي تأمله، وتذكر فيه فإنك رمت خطة عظيمة ومشقة وخيمة تورثك خطراً يجعلك هدفاً لبلايا فظيعة ورزايا

(4/290)


وجيعة، فأمره بالنظر ليوطن نفسه على ما يرهقه عسراً أو يكلفه أمراً إصراً اهـ. ولا يخفى ما فيه (قال: وا إني لأحبك) وقال الدلجى مؤكداً بالقسم والتكرير (ثلاث مرات) وهو ظرف لقال (فقال: إن كنت تحبني) أتى بإن الدالة على عدم الجزم مع تأكيد المتكلم بالمؤكدات السابقة، إما لعدم علمه بحال القائل عند معرفته بثمرة المحبة بعد ذكرها له، فلعله يرجع عن ذلك لعدم ثباته كما قال تعالى:

{ومن الناس من يعبد الله على حرف} (الحج:11) الآية، أو تحريضاً على الصبر على نتائج دعواه كقول الوالد لابنه: إن كنت ولدي فأطعني (فأعد) بتشديد الدال أمر من الإعداد: أي فهيء (للفقر تجفافاً) قال ابن أقبرس: المعنى أن يرفض الدنيا ويزهد فيها ويستتر عن استنمائها بمثل التجفاف كما يستتر بالترس في الحرب عن آثار السلاح التي هي آلة الجراح اهـ. ففيه استعارة كما يأتي، وعلل ما ذكره بقوله على سبيل الاستئناف البياني (فإن الفقر) أتى به ظاهراً والمقام للضمير زيادة لتمكينه عند سامعه (أسرع إلى من يحبني) زاد في حديث أبي سعيد المذكور آنفاً قوله: منكم، فيحتمل أن يكون له مفهوم، ويحتمل أن لا، لأن خطابه لما كان معهم ذكره لا لتخصيصهم بذلك والثاني أقرب (من السيل إلى منتهاه) أي من مكان وصول السيل إلى الجبل، أو أعلى الوادي إلى منتهاه من أسفل الجبل أو آخر الوادي، وإنما كان كذلك لأن الناس على دين ملوكهم. ولما كان أزهد الناس في الدنيا بشهادة حديث ملك الجبال إن شئت جعل الله لك الأخشين ذهباً فأبى» وحديث «عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهباً فقال: لا يا رب، ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» كان المحب التابع له أسرع إلى اتصافه بما هو متصف به من السيل كما قال لقوة الرغبة وصدق المحبة، ولأن المحب يجب أن يتصف بصفات المحبوب، فالمرء مع من أحب، ومولى القوم منهم في الخير والشر، فمن أحب

(4/291)


أن يكون معهم في نعيم الآخرة فليصبر كما صبروا في الدنيا عن شهواتها، لكن هذا مقام عال شريف لا يقدر عليه إلا الأفراد، فلذا قال له انظر ماذا تقول: أي إنك قد ادعيت أمراً عظيماً يستدعي الصبر على أمر عظيم قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران:142) (رواه الترمذي وقال حديث حسن) وفيه بعد قوله حسن: غريب. وأسقطه المصنف لأن الغرابة النسبية لا تضر في الحكم بالحسن.
(التجفاف بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة، وهي) أنث الضمير باعتبار المعنى فإنها في معنى السترة (شيء يلبسه) بالبناء للمجهول من ألبس ومفعوله الثاني الضمير، قدم لكونه ضميراً متصلاً على مفعوله الأول الذي أقيم مقام الفاعل وهو (الفرس) ويجوز أن يقرأ بفتح التحتية وبالموحدة مبنياً للفاعل من لبس بكسر الموحدة (ليتقي به الأذى) أي أن يصيبه من السلاح شيء من الجراح، وقد يلبسه الإنسان، ظاهره أن التجفاف معدّ لثوب يلبسه الفرس (وقد يلبسه الإنسان) وعلى ذلك جرى العاقولي فقال: وقد يلبسه الإنسان أيضاً ولعله تبع فيه المصنف، والذي في «المصباح»: التجفاف تفعال بالكسر شيء يلبسه الفرس عند الحرب كأنه درع والجمع تجافيف، قيل سمي به لما فيه من الصلابة واليبوسة. وقال ابن الجواليقي: التجفاف معرب ومعناه ثوب البدن، وهو الذي يسمى في عصرنا بركصطوان اهـ. وفي «شرح الشفاء» لابن أقبرس قال أبو عليّ: التاء زائدة، وأشار العاقولي إلى أن في الحديث استعارة مكنية تتبعها استعارة تخييلية بقوله شبه الفقر بالسهم الصائب والسيف القاطع والرمح النافذ، وشبه صبره عليه بالتجفاف الذي يلبسه الإنسان أو يلبسه فرسه ليقيه ذلك: أي فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات التجفاف استعارة تخييلية.

(4/292)


29484 ــــ (وعن كعب بن مالك) الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا فنزلت توبتهم في آية آخر سورة التوبة وتقدمت ترجمته (رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ما) نافيه حجازية كما اقتصر عليه الطيبي ويجوز كونها تميمية لأن الباء تزاد في خبر كل منهما خلافاً لأبي علي والزمخشري زعما اختصاص الباء بلغة الحجاز، قال ابن هشام في «المغني»: أوجب الفارسي والزمخشري في نحو {ما الله بغافل} كون ما حجازية ظناً أن المقتضى لزيادة الباء نصب الخبر، وإنما المقتضى نفيه لامتناعها في نحو كان زيد قائماً وجوازها في: لم أكن بأعجلهم. وفي ما إن زيداً بقائم اهـ. (ذئبان جائعان أرسلا) بالبناء للمجهول (في غنم) متعلق به، وهذان وصفان لذئبان مفرد وجملة فهو كقوله تعالى: {وهذا كتاب مبارك أنزلناه} (الأنعام:155) (بأفسد لها) أي بأكثر فساداً للغنم وأنث ضميرها لاعتبار الجنسية فيها (من) فساد (حرص المرء على المال) متعلق بحرص ومن فساد هو المفضل عليه (والشرف) أي الجاه معطوف على المال واللام، في قوله (لدينه) لام البيان كهي في قوله تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} (البقرة:233) كأنه قيل لمن؟ قال لمن أراد. وكذا هنا كأنه قيل بأفسد لأي شيء فقيل لدينه ولا يصح جعلها متعلقة بأفسد لأنه لا يجوز تعلق حرفي جرّ بلفظ واحد ومعنى واحد بعامل واحد إلا على سبل البدل (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) قال في «الجامع الصغير»: ورواه أحمد من حديث كعب أيضاً.

(4/293)


30485 ــــ (وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حصير) قال في «المصباح»: هو البارية وجمعه حصر مثل بريد وبرد وتأنيثه بالتاء عامي اهـ: وفي «الشفاء» من حديث، عن حفصة «وكان ينام أحياناً على سرير مومول بشريط حتى يؤثر في جنبه» قال السيوطي في تخريجه: رواه الشيخان من حديث طويل عن عمر والترمذي وابن ماجه (فقام) أي استيقظ واستوى جالساً (وقد أثر) أي الحصير (في جنبه) فإن بدنه الشريف كان ألين من الحرير. وفي الحديث عن أنس «ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله ؟ والجملة في محل الحال من فاعل قام (فقلنا) أي الحاضرون الذين منهم ابن مسعود، ويبعد أن يريد نفسه فقط، ولا يشهد له ما سيأتي عن ابن ماجه من قول ابن مسعود «فقلت» كما هو ظاهر (لو اتخذنا لك وطاء) بكسر الواو وبالمد بوزن كتاب قال في «المصباح» هو الوطىء وقد وطؤ الفرش بالضم فهو وطىء كقرب فهو قريب. وجواب لو محذوف: أي لا استراح بذلك أو نحو ذلك، وعند ابن ماجه «فقلت: يا رسول الله لو كنت آذنتنا ففرشنا لك شيئاً يقيك» (فقال مالي وللدنيا) قال الأنطاكي في حواشي «الشفاء»: قيل يجوز أن تكون «ما» نافية: أي ليس لي ألفة ومحبة لي وللدنيا حتى أرغب فيها، ويجوز أن يكون التقدير: أي شيء حالي مع الميل للدنيا اهـ: أي فتكون ما استفهامية والمعنى: أي شيء لي ولها: أي جامع فأشتغل بها. وقال الدلجي: هو استفهام بمعنى النفي: أي لا أرب فيها (ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها) وذلك لأن الدنيا ليست دار قرار ولا منزل استقرار إنما هي دار عبور يقطعها السائر إلى ميادين الآخرة، فالإنسان فيها بمثابة المسافر النازل في أثناء سفره تحت شجرة يطلب ظلالها من حرّ الشمس، ثم إذا ذهبت الشمس وإذا جلس تحت الشجرة منها راح عن الشجرة: أي سار بعد الزوال وتركها، ففيه أتم إرشاد إلى ترك الاهتمام بعمارة الدنيا والاشتغال

(4/294)


بتحصيلها وحث وحض على الاعتناء بعمارة منزل العبد من الدار الآخرة وتحصينه، وبا التوفيق (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) قال في «الجامع الصغير» بعد إيراد الحديث المرفوع: رواه أحمد وابن ماجه والحاكم والضياء كلهم عن ابن مسعود.

31486 ــــ (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام) لحبس الأغنياء تلك المدة في الموقف حتى يحاسبوا عما خولوه من الغنى من أين اكتسبوه وفيم أذهبوه كما سيأتي في حديث أسامة. قال العاقولي: وجه الجمع بين هذا الحديث وقوله في حديث عائشة «إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً» أن الأربعين أريد بها تقدم الفقير الحرص على الغني الحريص، وأريد بالخمسمائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد، وهذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة، لأن الخمسمائة عشرون مضاعفة خمساً وعشرين مرة والأربعون عشرون مضاعفة مرة، فالأربعون خمساً خمس الخمسمائة التي هي نصف يوم فيكون الأربعون خمس خمس اليوم الذي هو ألف سنة.c وحاصله أن الفقير الحريص يسبق الغني الراغب بخمس خمس يوم، والفقير الزاهد يسبقه بنصف يوم اهـ. وفي «حاشية الترمذي» للسيوطي وروى محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن الخلال في كتابه «فضل الفقير على الغني» حديث أنس بن مالك قال «بعث الفقراء إلى رسول الله » الحديث، وفيه «يدخل الفقير الجنة قبل الغني بنصف يوم وهو خمسائة عام» قال الحارث: قال سفيان يفسره «إن للجنة ثمانية أبواب ما بين الباب إلى الباب خمسمائة عام لكل باب أهل فينسى الغنى فيجيء إلى باب غيره فيقول البواب: ارجع إلى بابك، فيرجع إلى بابه وهو مسيرة خمسمائة عام» اهـ. (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) هذا وقد ذكر ابن كثير في «تفسيره» أثراً عن ابن عباس قال: إنما هي ضحوة فتقيل أولياء الله على

(4/295)


الأسرة مع الحور العين وتقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين، وقول سعيد بن جبير «يفرغ الله من الحساب نصف النهار فيقيل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقراً وأحسن مقيلاً} (الفرقان:24) ثم نقل نحوه عن عكرمة، وأن ذلك للفريقين في الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ثم روي عن ابن مسعود «لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ {أصحاب الجنة} (البقرة:82) الخ وقوله تعالى: {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} (الصافات:68) وروى آثاراً أخر. قلت: وهذا كله لا يخالف حديث الباب فإن الله تعالى يطول ذلك الزمان حتى يكون على الكافر قدر خمسين ألف عام، ويرى الغني أنه تأخر في الموقف عن الفقير بعد دخوله خمسمائة عام. وا على كل شيء قدير.

(4/296)


32487 ــــ (وعن ابن عباس وعمران) بكسر العين المهملة (ابن حصين) بضم المهملة وفتح الثانية وسكون التحتية آخره نون وسبقت ترجمتها، وقوله (رضي الله عنهم) لأنهما صحابيان ابنا صحابيين (عن النبي قال: اطلعت) بتشديد الطاء المهملة: أي أشرفت. وقال العاقولي: ضمن معنى تأملت (في الجنة) يحتمل أن يكون ذلك فيه وفيما بعده ليلة الإسراء، ويحتمل أن يكون لما كشف له في صلاته في الكسوف. والله أعلم (فرأيت) أي علمت فلذا عدى لمفعولين (أكثر أهلها الفقراء) قال ابن بطال: لا يوجب فضل الفقير عن الغني وإنما معناه الفقراء في الجنة أكثر من الأغيناء فأخبر عن ذلك، وليس الفقر أدخلهم الجنة إنما دخلوا بصلاحهم معه، فالفقير إذا لم يكن صالحاً لا يفضل، حكاه عنه الحافظ في «الفتح». قال العلقمي: ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع في الدنيا. قلت وهو الذي فهمه المصنف، ولذا أورد الخبر في باب فضل الزهد في الدنيا (واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) فيه التحريض لهن على المحافظة على أمر الدين ليسلمن من النار، قال الحافظ: وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة «ثم يدخل عليه زوجتاه» ولأبي يعلى عن أبي هريرة «فدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله زوجتين من ولد آدم» واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه عنه مسلم في «صحيحه» وهو واضح، لكن يعارضه قوله في حديث الكسوف «أكثر أهل النار». ويجاب بأنه لا يلزم من كون أكثرهن في النار، نفى كون أكثرهن في الجنة لكن يشكل عليه حديث اطلعت الخ، ويحتمل أن الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه كونهن أقل ساكني الجنة وليس ذلك بلازم لما قدمته، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة والله أعلم . قال شيخ الإسلام زكريا: ويجاب أيضاً بأن المراد بكونهن أكثر أهل النار نساء الدنيا وبكونهن أكثر أهل

(4/297)


الجنة نساء الآخرة فلا تنافي اهـ. (متفق عليه من رواية ابن عباس) قال الحافظ المزي في «الأطراف»: رواه البخاري في النكاح تعليقاً قلت: قال الحافظ في «نكته» عليه: هذا التعليق في كتاب الرقاق لا في كتاب النكاح، وقال في النكاح: تابعه أيوب ومسلم بن زيد كذا هو في الأصول قال: ورواه مسلم في الدعوات من «صحيحه»، ورواه الترمذي في صفة جهنم وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في عشرة النساء من «سننه» اهـ ملخصاً. وفي «الجامع الصغير» حذف رمز البخاري من رواته وكأنه سهو وزاد فيه ورواه أحمد (ورواه البخاري) في صفة الجنة، وفي النكاح وفي الرقاق (أيضاً) أي دون مسلم (من رواية عمران بن حصين) والراوي للحديث عنهما هو أبو رجاء عمران بن تيم، وقد رواه من حديث عمران أيضاً الترمذي في صفة جهنم والنسائي في عشرة النساء والرقاق، قال المزي بعد أن ذكر اختلاف الرواة عن عوف فقال: بعضهم عن أبي رجاء عن عمران، وقال أيوب عن أبي رجاء عن ابن عباس وكلا الإسنادين ليس فيه مقال ويحتمل أن يكون أبو رجاء سمعه منهما، والله أعلم .

(4/298)


33488 ــــ (وعن أسامة) بضم الهمزة (ابن زيد) بن حارثة الحب ابن الحب تقدمت ترجمته في باب الصبر في أوائل الكتاب (رضي الله عنهما عن النبي قال: قمت على باب الجنة) أي لأنظر أهلها أو لأمر آخر اقتضى القيام ثمة (فكان عامة) قال في «المصباح» هم خلاف الخاصة والجمع عوام كدابة ودواب والهاء في عامة التأكيد اهـ. وفي كتاب «تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم» للحافظ العلائي، وأما عامة مثل فعله عامة الناس فلا ريب أنه من صيغ العموم كيف وهو من مادته وبنيته، والعموم معناه الشمول والإحاطة وهو خلاف الخصوص وهذا ظاهر لا حاجة إلى الاستشهاد إليه اهـ. وعليه فالمعنى فإذا عموم (من دخلها المساكين) جمع مسكين، والمراد به ما يشمل الفقير أي المحتاج. ويجوز من حيث صناعة الإعراب رفع المساكين على أنه اسم كان مؤخراً ونصب عامة على أنه خبرها مقدم ويجوز العكس (وأصحاب الجد محبوسون) أي في الموقف عن دخول الجنة لحياسبوا عمّا كانوا فيه من الغنى تحصيلاً وتضييعاً والفقراء سالمون من ذلك (غير) بالنصب على الاستثناء (أن أصحاب النار) أي منهم (قد أمر بهم إلى النار) والمعنى لكن أصحاب النار منكم غير محبوسين. وفي «المفاتيح» أصحاب النار هم الكفار (قد أمر بهم إلى النار) أي لا يوقفون في العرصات بل يؤمرون بدخول النار فالاستثناء منقطع، وكذا قال العاقولي: غير بمنى لكن والمغايرة بحسب التفريق، فإن القسم الأول: أي والمراد به المؤمنون من بمعنى وفقير بعضهم محبوس وهو ذو الجد وبعضهم غير محبوس وهو الفقير، والقسم الثاني غير محبوسين، ويدل على أن القسم الأول بعضه محبوس، قوله في الحديث عن صعاليك المهاجرين «إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم»، فلولا ذلك الحبس للأغنياء لدخلوا جميعاً (متفق عليه) قال المزي في «الأطراف»: رواه البخاري في النكاح. قلت: زاد الحافظ في «نكته» عليه وفي الرقاق قال المزي: ورواه مسلم آخر كتاب الدعوات، ورواه النسائي في عشرة

(4/299)


النساء من «سننه»، وفي المواعظ والرقائق منها وهما ليسا من «سنن النسائي» في الرواية اهـ. ملخصاً، وقال السيوطي في «الجامع الصغير»: ورواه أحمد في «مسنده» (الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة (الحظ والغنى. وقد سبق بيان هذا الحديث) بزيادة في آخره «وقمت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء» (في باب فضل الضعفة) وتقدم شرح الحديث ثمة أيضاً بما بينه وبين ما هنا عموم وخصوص.

34489 ــــ (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: أصدق كلمة) أي أكثر جملة مفيدة مطابقة للواقع وجملة (قالها شاعر) في محل الصفة لكلمة احترز بها عن قول الله سبحانه وأقوال أنبيائه عليهم الصلاة والسلام فتلك أصدق، والمراد بالتفضيل ما عدا ذلك وإطلاق الكلمة على الجمل المفيدة هو في اللغة وتخصيصها بالقول المفرد عرف طارىء وليس للشارع اصطلاح خاص في إطلاق الكلمة فتحمل على معناها اللغوي لكن مقتضى كلام النحاة أن إطلاق الكلمة على الجمل المفيدة مجاز مرسل من إطلاق اسم الجزء على الكل، وجوّز بعضهم كونه استعارة مصرحة بأن شبهت الجملة في توقف الإفادة على جميع أجزائها بتوقف فهم معنى الكلمة على جميع حروفها فأطلق اسم المشبه على المشبه به حينئذٍ فتكون القرينة في الحديث على إرادة المجاز منها ما فسر به الخبر من شرط البيت (كلمة) بفتح الكاف وكسر اللام لغة أهل الحجاز وهي أفصح من فتح الكاف وكسرها مع سكون اللام فيهما وهما لغة تيم، ويكفي في تغاير المبتدأ والخبر التغاير بحسب الإضافة (لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة وسكون التحتية ثم دال مهملة، وهو ابن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان العامري، هكذا ذكر نسبه أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في «تاريخه»، وفد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلم وحسن إسلامه وكان من

(4/300)


فحول شعراء الجاهلية وكان من المعمرين عاش مائة وأربعاً وقيل وسبعاً وخمسين سنة. وقال السمعاني: مات أول خلافة معاوية وله مائة واثنان وأربعون سنة، ولم يقل شعراً بعد إسلامه، وكان يقول أبدلني الله به القرآن وقيل قال بيتاً واحداً.
ما عاتب المرء الكريم لنفسه
والمرء يصلحه القرين الصالح
وقال جمهور أصحاب السير والأخبار لم يقل شعراً منذ أسلم، وقال عمر بن الخطاب يوماً للبيد أنشدني شيئاً من شعرك فقال: ما كنت لأقول شعراً بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران فزاده عمر في عطائه خمسمائة. وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام. وفي ترجمته زيادة في «التهذيب» (ألا) أداة استفتاح (كل شيء ما خلا ا) أي وصفاته وإنما لم يذكرها لأنها معلومة من ذكر الذات كما هو مقرر عند الأشاعرة أنها ليست غيراً أي يجوز انفكاكها كما أنها ليست عيناً أي باعتبار المعلوم لكونها غير قابلة الانفكاك كان المتبادر من ذكر الذات ذكرها وبهذا يبطل تعلق المبتدعة بالبيت (باطل) يحتمل أن يكون المراد منه هلاكه بالفعل فينعدم كل مخلوق ساعة لتصدق الكلية ثم يوجد، ويحتمل أن المراد قبوله للبطلان والهلاك، إذ المتعقل إما واجب العدم كالمحال الذاتي أو البقاء كذات الله وصفاته أو محتمل لهما كالعالم، والبيت المذكور في معنى قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} (القصص:88) ولو عد هذا البيت من موافقات لبيد للقرآن لم يبعد بما ذكر من استشهاد النبي بشعر لبيد وشهادته له بأنه شاعر كما جاء في رواية أخرى وأن ذلك أصدق ما قاله شاعر، ضرب الإمام الشافعي المثل به حيث يقول:
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد
(متفق عليه) رواه البخاري في الأدب والرقاق وغيرهما من «صحيحه»، ومسلم في الشعر، ورواه الترمذي في الاستئذان من «جامعه» وفي «الشمائل»، ورواه ابن ماجه أيضاً في الأدب كذا في «الأطراف».