ความประเสริฐของความหิวและการใช้ชีวิตอย่างลำบากในดุนยา (ตอนที่ 5)

อาลี เสือสมิง
อาลี เสือสมิง
ความประเสริฐของความหิวและการใช้ชีวิตอย่างลำบากในดุนยา (ตอนที่ 5)
/

ตำรา ที่ใช้ : ดะลีลุ้ลฟาลิฮีน (อธิบาย ริยาฎุซซอลิฮีน)

สถานที่ : โรงเรียนญะมาลุ้ลอัซฮัร, อิสลามรักสงบ ซ.พัฒนาการ 30

:: เนื้อหา ::

12 ــــ (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وا الذي لا إله إلا هو) أتى به لتأكيد ما بعده في ذهن سامعه (إن) مخففة إني (كنت لأعتمد بكبدي) بفتح الكاف وكسر الموحدة أفصح من فتح الكاف وكسرها مع سكون الموحدة (على الأرض) أي ألصق بطني بها (من الجوع) من فيه تعليلية، وكأنه كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شده الحجر على بطنه، ويحتمل أن يكون كناية عن سقوطه إلى الأرض مغشياً عليه كما سيأتي في الحديث عنه عقب هذا: «لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حجرة عائشة مغشياً عليّ» الحديث (وإني كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع) كعادة العرب وأهل الرياضة أو أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك إن خلت أجوافهم لئلا تسترخي أمعاؤهم فتثقل عليهم الحركة، وبربط الحجر تشتد البطن والظهر فتسهل عليهم الحركة حينئذ. وقبل حكمة شده أنه يسكن بعض ألم الجوع، لأن حرارة المعدة الغريزية ما دامت مشغولة بالطعام فتلك الحرارة به، فإذا نفذ اشتعلت برطوبات الجسم وجوهره فيحصل التألم حينئذ ويزداد ما لم يضم على المعدة الأحشاء والجلد، فإن نارها حينئذ تخمد بعض الخمود فيقل الألم. وقيل: يفعل ذلك لأن البطن إذا خلا ضعف صاحبه عن القيام لتقوس ظهره، فاحتيج لربط الحجر ليشده ويقيم صلبه (ولقد قعدت على طريقهم) قال في «المصباح»: يذكر في لغة نجد وبه جاء قوله تعالى: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً} (طه:77) ويؤنث في لغة الحجاز. قلت: وعدم تأنيث يبساً لكونه مصدراً وصف به كما ذكر البيضاوي في «التفسير»، قال في «المصباح»: وجمعه طرق، وقد يجمع عن لغة التذكير على أطرقه والضمير يرجع إلى المارة المدلول عليه بالمضاف (الذي يخرجون منه) أي إلى مطالبهم، وذلك لئلا يفوتوه (فمرّ بي النبيّ ) قبله في البخاري مرور أبي بكر وعمر، وأنه سأل كلا منهما عن آية وقصد بالسؤال التعرض للنوال فلم يقع، وسكت عنه المصنف لعدم تعرض غرض الباب به، إذ غرضه التحريض على

(4/336)


الزهد في الدنيا والإعراض عما تدعو إليه الضرورة بالمرة، وهذا الخبر وأمثاله يدل عليه، إذ لو كان حاله بخلاف ذلك لما بلغ حال أصحابه في الفقر إلى ما ذكر في الخبر لما علم من كمال كرمه وإيثاره على نفسه (فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي) أي مما يدل على ما في نفسي (وما في نفسي) أي من الاحتياج إلى ما يسد الرمق، ووقع عند بعض رواة البخاري بأو التي للشك بدل الواو في قوله: «وما» قال في «الفتح» استدل أبو هريرة بتبسمه على أنه عرف ما به لأن التبسم يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم إليه ولم تكن لك الحالة معجبة فقوي الحمل على الثاني (ثم قال يا أبا هر) بتشديد الراء، قال في «الفتح»: وهو من رد الاسم المؤنث إلى المذكر والمصغر إلى المكبر، فإن كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثاً، وأبو هرّ مذكر مكبر، وذكر بعضهم أنه يجوز فيه تخفيف الراء مطلقاً فعلى هذا فيسكن (قلت: لبيك يا رسول الله) هذه رواية علي بن مسهر بإثبات حرف النداء، وعند باقي الرواة له بحذفه أي إجابة بعد إجابة (قال الحق) بهمزة وصل وفتح الحاء المهملة أي اتبع (ومضى) أي إلى سبيل بيته (فاتبعته) بتشديد الفوقية، زاد في رواية علي بن مسهر: فلحقته، وفي «تفسير البغوي» أتبع بقطع الهمزة معناه أدرك وألحق، واتبع بتشديد التاء معناه سار، يقال: ما زالت أتبعه حتى اتبعته: أي ما زال أسير خلفه حتى أدركته ولحقته (فدخل) زاد علي بن مسهر إلى أهله (فاستأذن) قال في «الفتح»: بهمزة بعد التاء والنون مضمومه فعل المتكلم، وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق لأنه حكاية حال ماضية، ففيه الإشارة لكمال استحضاره لها حتى كأنه يخبر عن حاضر عنده وفي رواية ابن مسهر: فاستأذنت بضمير المتكلم (فأذن لي) يحتمل أن يقرأ بالبناء للفاعل: أي النبيّ ، وأن يقرأ بالبناء للمفعول ما لم تكن رواية فيوقف عندها (فدخل) قال في «الفتح» كذا فيه، وهو إما تكرار لهذه اللفظة لوجود الفصل أو التفات (فوجد لبناً

(4/337)


في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟).

وفي رواية ابن مسهر من أين لكم؟ (قالوا: أهداه فلان أو فلانة) كذا بالشك قال في «الفتح»: ولم أقف على اسم من أهداه، وفي رواية روح: «أهداه لنا فلان آل فلان أو آل فلان» وفي رواية: «أهداه لنا فلان» (قال: أبا هرّ قلت: لبيك يا رسول الله) بإثبات حرف النداء عند جميع رواه البخاري (قال: الحق إلى أهل الصفة) ضمن الحق معنى انطلق فلذا عداه بإلى، وقد وقع في رواية روح بدله: انطلق (فادعهم لي، قال) أي أبو هريرة وسقط من رواية روح ولا بد منها فإن قوله: (وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد) إلى آخر مايأتي من بيان شأنهم من كلام أبي هريرة شرح به حال أهل الصفة والسبب الداعي لدعائهم، وأنه كان يخصهم بالصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية. ووقع في رواية يونس ما يشعر بأن أبا هريرة كان منهم، وقد عدّه فيهم السخاوي في مؤلفه في أهل الصفة. والصفة بناء في مؤخر المسجد منزل فقراء المهاجرين مما لا مال له، ولا معارف بالمدينة، وقد تقد فيهم بيان قبل هذا في باب فضل الزهد في الدنيا، ووقع هكذا في الرواية: لا يأوون على أهل والكثير «إلى» بدل «على» وقوله: ولا على أحد تعميم بعد تخصيص فيشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم، وجملة ولا يأوون في محل الحال (وكان إذا أتته صدقه بعث بها إليهم ولم يتناول) وفي رواية روح ولم يصب (منها شيئاً) أي لنفسه وزاد روح ولم يشركهم فيها لحرمة الصدقة عليه لعلو مقامه (وإذا أتته هدية أرسل إليهم) أي ببعضها كما يدل عليه قوله: (وأصاب منها وأشركهم فيها) وهذه الجملة الأخيرة كالإطناب فيها إيماء إلى أنه يجعل لهم منها حظاً وافراً، وأما هو في نصيبه منها فلا يستكثر إيثاراً، والجملة الشرطية وما عطف عليها مستأنفة فيها بيان معاملته معهم واعتنائه بأمرهم، وما ذكر من بعث الصدقة وبعث الهدية لأهل الصفة هو أحد أحواله معهم، وتارة كان إذا أتاه شيء

(4/338)


وقيل له إنه صدقة أمر من عنده بأكله ولم يأكل منه، وإن قيل: إنه هدية ضرب بيده وأكل منه، وحمل على أن هذا كان قبل بناء الصفة وكان يقسم الصدقة فيمن يستحقها ويأكل الهدية فيمن حضر من أصحابه، ويحتمل أن يكون باختلاف حالين فيحمل حديث الباب على ما إذا لم يحضره أحد فإنه يرسل ببعض الهدية إلى أهل الصفة أن يدعوهم كما في قصة الباب، وإن حضر أحد شركه في الهدية وإن كان هناك فضل أرسل به إلى أهل الصفة أو دعاهم، ووقع في حديث أحمد عن طلحة بن عمر: نزلت في الصفة مع رجل كان بيني وبينه كل يوم مدّ من تمر وهو محمول على اختلاف الأحوال، كان أولاً ينزل إلى أهل الصفة مما حضره أو يدعوهم أو يفرقه على من حضر إن لم يحضر ما يكفيهم، فلما فتحت فدك وغيرها صار يجري عليهم من التمر في كل يوم ما ذكره ا هـ ملخصاً من «الفتح» (فساءني) بالمد: أي أحزنني (ذلك) أي قوله: ادعهم لي لمزيد ضرورتي وشدة فاقتي ظن أن ذلك اللبن لا يزيد عن حاجته كما هو مقتضى العادة فيه فلذا قال: (فقلت وما هذا اللبن) والواو عاطفة على محذوف والإشارة للتحقير (في أهل الصفة؟) وهم عدد كثير، وفي رواية: «وأين يقع هذا اللبن في أهل الصفة؟» (كنت أحق) أي أولى به (أن أصيب) وحذف المفضل عليه مجروراً بمن لدلالة السياق عليه: أي أولى منهم إصابة (من هذا اللبن شربة أتقوى بها) أي أصير ذا قوة من ضعف الجوع بسببها، يقال: تحجر الطين: أي صار حجراً، ويجوز أن يكون بمعنى المجرد: أي أقوى بها بعد الضعف (فإذا جاء) قال الحافظ في «الفتح» كذا فيه بالإفراد: أي من أمرني بطلبه، والأكثر جاءوا بصيغة الجمع ا هـ، والموجود في بعض نسخ الرياض الوجه الثاني (أمرني) أي النبي (فكنت أنا أعطيهم) وكأنه عرف ذلك بالعادة لأنه كان يلازم النبي ويخدمه (وما عسى أن يبلغني) أي يصل إلى (من هذا اللبن) بعد أن يكتفوا منه، وقال الكرماني: لفظ عسى زائد، ووقع في رواية يونس بن بكير: «فيأمرني أن أديره عليهم وما عسى أن

(4/339)


يصيبني منه، وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يقيتني»: أي من جوع ذلك اليوم (ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد) أي محيد. قال في «المصباح»: لا بد من كذا: أي لا محيد عنه، ولا يعرف استعماله إلا مقروناً بالنفي ا هـ. وذلك لأن شكر المنعم سبحانه واجب شرعاً وطاعة الرسول له سبحانه، قال تعالى:

{من يطع الرسول فقد أطاع ا} (النساء:80) (فأتيتهم) أي عقب الأمر لي بدعوتهم وإن كان على خلاف هواي (فدعوتهم) قال الكرماني: وظاهر قوله: «فأتيتهم» أن الإتيان والدعوة وقعا بعد الإعطاء وليس كذلك، ثم أجاب أن معنى قوله: «فكنت أنا أعطيهم» عطف على جواب «فإذا جاءوا»، فهي بمعنى الاستقبال، قال في «الفتح»: وهو ظاهر من السياق (فأقبلوا فاستأذنوا) أي سألوا الإذن في الدخول (فأذن لهم) بالبناء للفاعل كذا في النسخ: أي النبي ، ولو قرىء بالبناء للمفعول لجاز لأن المدار على وجود الإذن من أي كان، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (الأحزاب:53) (فأخذوا مجالسهم) أي فقعد كل منهم في المجلس اللائق به (من البيت) أي بيت النبي وقد أمر بإنزال الناس منازلهم كما رواه مسلم في أول «صحيحه» عن عائشة معلقاً، قال الحافظ في «الفتح»: ولم أقف على عددهم إذ ذاك، قال أبو نعيم: عدد أهل الصفة يختلف بحسب الحال، فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرّقوا إما لغزو أو سفر أو استغناء فقلوا. ووقع في عوارف المعارف أنهم كانوا أربعمائة، وفي «المصباح»: المجلس: أي بفتح أوله وثالثه: مكان الجلوس والجمع مجالس. وقد يطلق على أهله مجازاً تسمية للحال باسم المحل ا هـ (قال: يا أبا هرّ: قلت لبيك يا رسولالله، قال: خذ) أي قدح اللبن المدلول عليه بالسياق والسباق (فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت) أي شرعت (أعطيه الرجل) والإتيان به حكاية للحال الماضية إشارة لكمال استحضار القصة، ولولا ذلك لقال فأعطيته الرجل، وأل في الرجل للجنس

(4/340)


(فيشرب حتى يروي ثم) فيه إيماء إلى طول شرب الرجل منهم، وذلك لمزيد الجوع وتمام الفاقة (يرد) بالبناء للفاعل (عليّ القدح فأعطيه) أي عقب رده (الآخر) أي الذي إلى جنبه، وهذه رواية يونس، وفي رواية علي بن مسهر «فجعلت أناول الإناء رجلاً رجلاً، فإذا روي أخذته فناولته الآخر حتى روي القوم جميعاً» ووقع في بعض نسخ البخاري: فأعطيته الرجل، وعليها شرح الحافظ كالكرماني فقال: أي الذي إلى جنبه، وهذا فيه أن المعرفة إذا أعيدت معرفة لا تكون عين الأولى. قال: والتحقيق أن ذلك لا يطرد بل الأصل أن تكون عينه إلا أن يكون هناك قرينة. قال الحافظ بعد ذكر اختلاف الروايات كما ذكرنا: وعليه فاللفظ المذكور من تصرف الرواة، فلا حاجة فيه لخرم القاعدة (فيشرب حتى يروي ثم يرد عليّ القدح) وقوله: (حتى انتهيت إلى النبي ) أي فأعطيه غاية لمقدر: أي عممتهم أجمعين حتى انتهيت إليه (وقد روي القوم كلهم) جملة في محل الحال، وقد للتحقيق إيماء إلى أنه تحقق لهم الري المطلوب، وأكد القوم بكلهم دفعاً لتوهم أن المراد ري بعضهم (فأخذ القدح) أي وقد بقيت فيه فضلة من اللبن كما في رواية روح (فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم) قال الحافظ في «الفتح»: كأنه تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أنه لا يفضل له شيء من اللبن فلذا تبسم. قلت: ويجوز أن يكون قد اطلع على ذلك ككثير من المغيبات (فقال: أبا هر) كذا في رواية، وفي رواية ابن مسهر هنا وفيما ذكر أوله: «أبو هرّ» بالواو وهو على تقدير الاستفهام: أي أنت أبو هريرة أو على لغة من لا يعرب الكنية (فقلت: لبيك يا رسولالله، قال: بقيت أنا وأنت) كأنه بالنسبة لمن حضر من أهل الصفة، وأما من كان في البيت من أهل النبي فلم يتعرض لذكرهم، ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم، أو أخذوا كفايتهم، والذي في القدح نصيبه (قلت: صدقت يا رسول الله) وهذه الجملة والتي قبلها من باب لازم الخبر (قال: اقعد فاشرب) فيه أن اللبن كغيره من

(4/341)


المشروبات في استحباب الجلوس عند شربه، بخلاف المص للمشروب فإنه يستحب فيما عدا اللبن، أما هو فيعبه عباً لأن ما شرع له المص من خوف الشرقة به مفقود في اللبن لقوله تعالى:

{سائغاً للشاربين} (النحل:66) قال الحافظ السيوطي: لم يشرق باللبن أحد أصلاً (فقعدت فشربت فما زال يقول لي: اشرب) أي لما علم من مزيد حاجته وشدة فاقته، ولأنه ربما يترك بعض حاجته ليبقى بعضه للنبي فأمره بذلك ليستوفي إربه، وظاهر أنه كرّر ذلك مراراً، والمذكور في أدب الضيافة أن المضيف يقول نحو ذلك للضيف إلى ثلاثة لا يجاوزها (حتى قلت: لا) المنفي محذوف: أي لا أشرب ثم علل ذلك على وجه الاستئناف البياني مؤكداً بالقسم بقوله: (والذي بعثك) أي أرسلك ملتبساً (بالحق لا أجد له مسلكاً) بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه المهمل بينهما: أي مكاناً يسلك فيه مني (قال فأرني) وفي رواية روح فقال: ناولني القدح (فأعطيته القدح فحمد الله تعالى) أي على ما منّ به من البركة في اللبن المذكور مع قلته حتى روي القوم كلهم وأفضلوا (وسمى) في ابتداء الشرب (وشرب الفضلة) أي البقية، وفي رواية روح: فشرب من الفضلة، وفيه إشعار بأنه بقي بعضه فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي بالبيت إن كان (رواه البخاري) في «الرقاق» من «صحيحه» ووقع في «الأطراف» أنه رواه في الاستئذان وهو وهم، إلا إن أراد أنه رواه كذلك مختصراً بنحوه في الباب المذكور كما نبهت عليه في حاشية كتاب «الأطراف»، ورواه الترمذي في الزهد من «جامعه»، والنسائي في الرقاق من «سننه».g وفي الحديث من الفوائد من علامات النبوة تكثير الطعام والشراب ببركته ، وفيه جواز الشبع ولو بلغ أقصى غايته أخذاً من قول أبي هريرة لا أجد له مسلكاً، وتقرير النبيّ له على جوازه خلافاً لمن قال بتحريمه، والجمع بين ذلك وبين الأحاديث الواردة بالزجر عن الشبع بحمل الزجر على متخذ الشبع عادة لما يترتب عليه من الكسل عن

(4/342)


العبادة وغيرها، وحمل الجواز على من وقع له ذلك نادراً، لا سيما بعد شدة جوع واستبعاد حصول شيء بعده عن قرب.
تنبيه: قال في «الفتح»: وقع لأبي هريرة قصة أخرى في تكثير الطعام مع أهل الصفة. أخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال: «أتت عليّ ثلاثة أيام لم أطعم، فجئت أريد الصفة فجعلت أسقط، فجعل الصبيان يقولون: جنّ أبو هريرة حتى انتهيت إلى الصفة، فوافقت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتى بقصعة من ثريد، فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون منها، فجعلت أتطاول لكي يدعوني حتى قاموا وليس في القصعة إلا شيء في نواحيها، فجمعه فصار لقمة فوضعها على أصابعه فقال لي: كل باسمالله، فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت» ا هـ.

(4/343)


13 ــــ (وعن محمد بن سيرين) بكسر المهملة وسكون التحتية وبالراء ثم تحتية ثم نون غير منصرف للعلمية والعجمة، وابن سيرين تابعي يكنى أبا بكر، بصري ثقة ثبت، عابد كبير القدر من أوساط التابعين، مات سنة عشر ومائة، روى عنه الستة كذا في «تقريب» الحافظ (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيتني) أي أبصرتني وهذا طرف من أواخر حديثة، وأوله: «كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان، ولقد رأيتني» وكان على المصنف ذكر الواو لينبه على أن ما ذكر بعض حديث معطوف على شيء تقدمه (وإني لأخر) بكسر الخاء المعجمة: أي لأسقط والجملة حال من فاعل رأيتني أو مفعوله (فيما) أي في المكان الذي أو مكان (بين منبر) بكسر فسكون ففتح، من النبر بالنون فالموحدة: الارتفاع (رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حجرة عائشة رضي الله عنها) القياس وحجرة عائشة لأن بين لا تضاف إلا إلى متعدد، وكذا رأيته عزاه الحافظ في باب الرقاق من «الفتح» إلى باب الاعتصام، لكن في باب الاعتصام من «الصحيح» بلفظ إلى، وفي كتب النحو فيما اختصت به الواو العاطفة عن باقي العواطف عطف ما لا يستغني عنه كجلست بين زيد وعمرو، ولذا كان الأصمعي يقول: الصواب بين الدخول وحومل، لا فحومل. وأجيب بأن التقدير بين نواحي الدخول فهو كقولك دخلت بين الزيدين، أو أن الدخول مشتمل على أماكن ذكره في «مغني اللبيب»، والجواب الأول ممكن هنا: أي ما بين ساحات المنبر إلى حجرة عائشة وما بين المنبر وحجرة عائشة: أي بيتها، وهي مدفنه حذاء الروضة طولاً (مغشياً علي) هذا محط الفائدة ومقصد الإخبار: أي مغمي علي، والإغماء زوال الشعور مع فتور في الأعضاء (فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون) أي وتلك عادتهم بالمجنون حتى يفيق وجملة يرى محتملة للحالية وللاستئناف البياني (وما بي من) مزيدة للتنصيص على العموم الظاهر فيه (جنون) لكونه نكرة في سياق

(4/344)


النفي، وهو مبتدأ والظرف قبله خبر قدم عليه اهتماماً واعتناء (وما بي) الباء فيه سببية: أي ليس سبب إغمائي (إلا الجوع. رواه البخاري) في باب الاعتصام، ورواه الترمذي في الزهد من «جامعه»، وقال: حسن صحيح غريب، ورواه في «الشمائل» بنحوه.